قصيدة أمة الحيوان
(1)
خطب النسرُ خطابا يرتجي فيه ثوابا
في لقاءٍ بالصقورِ المعلنينَ له عتابا
وحضورٌ للحمائمِ سائلين له صوابا
قال فيما قال فيه نحن أكرمنا الكلابا
من رعيتنا قرودٌ يصنعوا عجباً عجابا
إن رضوا نلنا الأماني وتجاوزنا السحابا
أما إن سخطوا علينا فمكاسبنا سرابا
أعلموا أنا ملكنا الأرض بحراً وترابا
نملك الأجواءَ حتى لا يصيح بها غرابا
وورثنا عروش أُسدٍ وجعلناها خرابا
كي ينال القرد أمنا في بقاعٍ بها اضطرابا
إن يقولون احتلالا أو يقولون اغتصابا
ما سمعنا لما يقولوا قد وهبنا له هضابا
وجعلنا له مكانا طيباً بيتا وبابا
(2)
فأجاب القرد فَرِحا هذه الدنيا لُعابا
سيدي كم انت فخرٌ قد حنينا لك الرقابا
كم تكرمت علينا وبنينا لك القبابا
إن رغبت النصح يا من أنت في عيني مهابا
اجعل الثور عظيما طالما حكم الذبابا
إن أطاعك اغتنمه أو عصاك له عقابا
واتخذني طوع أمرك كل سيفٍ له نصابا
(3)
قال قد أحسنت نصحا لا نرد لك الرغابا
قد وجدت به عقوقا وفعلت وما استجابا
وعفوت وليس ضعفا طيشه فرض الحجابا
ذو غباءٍ مستحب في صراعِ الارض طابا
ما قسوت عليه إلا كي أعلمه الصعابا
كي أؤدب فيه دبا ما حسبت له حسابا
كي أؤدب فيه تنيـــــ نــــا تُبجله ذئابا
قد أعينه وزيرا إن تقرب لي وتابا
إن يسلمني مرادي نال خيرا واغترابا
صفقوا له احتراما قوله سحر اللبابا
(4)
أمة الحيوان ضاقت في طبيعتها رحابا
ما أكابرها حماة أو أصاغرها صحابا
أمرهم أمر عجيبٌ اختلافا واقترابا
الخيولُ لها صهيلٌ كلما نُشرت ضبابا
والجمالُ لها هديرٌ في مسيرتها ركابا
والديوكُ لها صياحٌ لا تريد بها نشابا
وأفاعي في فحيحٍ كلما سمعت نُعابا
والثعالبُ ناشراتٌ ما يقولون احتطابا
تُشعل الفوضى وترعى من يؤججها إلتهابا
(5)
أمة الحيوان أمسى في ربوعها اكتئابا
حين قال الثور إني لست من نكث الكتابا
صنت عهدي واتفاقي لست من ولى انسحابا
ما سعى له مستحيلٌ حتى لو عظم المصابا
لن يجردني قروني بعدما صارت حِرابا
لن أفرط في سلاحٍ اكتسبته اكتسابا
لست وحدي له قرونا وطموحا وانتسابا
لن أسلمها إليه ما يمنيني كذابا
ابن عمي حين ُجرد قرنه وقع انقلابا
من يسلم في خنوعٍ نفسه خلع الثيابا
سأعيش العمر في حبــــ سي ولا اخشى رهابا
إن أراد الحرب أهلا لست في الهيجِ ربابا
أو أراد السلم فالميــ ثـاق نخبنا والشرابا
(6)
فكر النسر مليا في شجاعته وغابا
لا نريد له قرونا ويناطحنا غلابا
ربما إن خضنا حربا لا يعاد لنا انتخابا
ثم غرد في غرورٍ ننتظر يوما جوابا
صالح محسن الجهني
قصيدتي هذه على نهج رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي (رحمه الله) برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا.